شروط وخصائص الوقف

أركان الوقف خمسة باتفاق أهل العلم، ولكل ركنٍ عدةُ شروطٍ يكاد أهل العلم أن يتوافقوا عليها:
الركن الأول: هو الواقف المتصدّق: وهو الشخص المكلف العاقل الرشيد البالغ الحر المختار.
والركن الثاني: هو الشيء الموقوف المُتصدَّق به، وشرطه أن يكون عيْنا مباحةً حاضرةً معلومة باقية دائمة لا تزول مع الاستعمال، ولا تستوعب جميع المال بل لا تزيد عن الثلث، وتصح مشاعةً من جماعة، ولا تُتملك لأحد بعد الوقف، وذلك كالعقار والمركوب والحيوان والأثاث والسلاح والموارد المائية .
ومن هنا لم يشترط جمهور السلف والخلف القبضَ في العين الموقوفة، لأنه لا يمكن فيها القبض، ولا تُتملك لأحد حتى يقبضها، كما قال العَيْني في عمدة القاري شرح البخاري (14/52):" أما إذا وَقفَ بَعْضَ ماله فهو وَقْفُ المشاع، فإِنه يجوزُ عند أبي يوسف والشافعي ومالك، لأن القبض ليس بِشَرْط عندهم، وعند محمد لا يجوزُ وَقْفُ المُشَاع فيما يَقْبَل القِسْمة، لأن القبض شَرْطٌ عنده".
ذكر ذلك عند شرح تبويب البخاري في صحيحه "بابٌ إذَا تَصَدَّقَ أوْ وقَفَ بَعْضَ مالِهِ أوْ بَعْضَ رَقِيقِه أوْ دَوَابِّهِ فَهْوَ جائز، ثم خرج (2757) عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:« أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك » .
الركن الثالث: هو الجهة أو الأجناس الموقوف عليهم: وهم جهة من جهات البر، أو أجناس عامة، لا أفراد بخصوصهم، وإلا كانت صدقة، وإنما أطلق العلماء لفظ " الموقوف عليهم " ولم يقولوا " الموقوف لهم "، حتى لا يُظن بتملّك الوقف من طرف الموقوف عليه، لأنه ملك لله تعالى لا يملكه أحد.
والركن الرابع: هو الصيغة المصرحة بالمراد، حتى يُفرّقَ بها بين الصدقة والوصية والرقبى والعارية وغيرها من التكافلات المالية، ومجرد النطق بالوقف أو الحبس مع النية، يجعل الوقف لازما حالا مباشرة، كما هو قول الجمهور.
وهناك ركن خامس ربما أُغفل، وهو مهمّ من أجل المحافظة على الوقف واستمرارية استثماره لأمد كبير، وهو: الناظر في الوقف والقيّم عليه: ويشترط فيه الصدق والأمانة والخبرة مع القدرة على رعاية الوقف ومصالحه، وقد وردت الإشارة إلى هذا الركن وغيره في حديث عمر: " لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه، وقال:" يليها ذو الرأي من آل عمر".
قال ابن حجر في فتح الباري (5/402):" وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان قال: هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر فنسختها حرفا حرفا:" هذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها ".
خصائص الوقف:
يتميّز الوقف عن غيره من الصدقات وأنواع التكافلات بعدة خصائص ومميزات متفق عليها بين العلماء:
الخاصية الأولى: البقاء والاستمرارية: ولا يعني هذا أنه لا يفنى أبدا، لكنه يبقى لأمد بعيد قضاه الله تعالى، ولا يزول بمجرد استغلاله، وينبثق عن هذه الخاصية أمران:
- استمرارية الانتفاع بالوقف في أوجه الخير والبر، طيلة أزمنة عديدة ودهور مديدة، وبالتالي المساهمة به في تحقيق التطور الاقتصادي وتوثيق الرابط التاريخي والاجتماعي من تكافل واعتصام ومحبة والتئام.
- استمرارية الأجر والثواب: كما خرج مسلم (1631)عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
الخاصية الثانية: لا يُتملك لأحد: وهذا يعني أن الوقف تستغلّ منفعته، ولا تُتَملّك عينه، لأنه محبوس في سبيل الله تعالى لا يتملكه أحد، بل يُصرف في أوجه البر وأنواع الخير، كما في حديث عمر لما أصاب أرضاً بخيبر فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:" حبس أصلها وسبل ثمرتها".
الخاصية الثالثة: العموم: ويُقصد به أمران:
أولاهما عموم انتفاع أفراد المجتمع بمنفعة الوقف من جهة، إذ لا يستفيد منه شخص معين فقط، كما في سائر التكافلات الأخرى.
والثاني: عموم الانتفاع به في سائر جهات الخير وأنواع البر ومختلف المشاريع من جهة أخرى.












 
الوسوم
الوقف شروط وخصائص
عودة
أعلى